السبت، 10 يناير 2015

وأينك؟



1
أمسك قلمي شديد الثقل في تلك الصبيحة الغير مبهجة على الإطلاق. أكاد أقسم يا عزيزتي أن الحبر الجاري على ريشته يلعن شيطاني الذي صمم ألا يتركني أنام إلا وقد كتبت ما يريدني أن أكتبه. وأنا يا عزيزتي منذ فراقك أريد أن أنام.
لقد سارت الأمور من سيء إلى أسوأ في الفترة السابقة لرحيلك. أثارك موت أختي فاطمة في الاسكندرية أيُّما إثارة. فكانت الوعكة الأولي. وما أن رحلت دعاء، ابنة فاطمة، إلى سدرة المنتهى حتى عرفت يقينا أنك لن تتعافي من تلك الوعكة. ولكن أي ابن سأكون أنا إن قلت لك ذلك؟ لقد كان ثمة أمل في أن تتعافي ولكنني سرعان ما تقبلت فكرة أنك سترحلين لتتركيني وحيدا وشيطاني الذي توحّش وزادت مطالبه.
وكأنني أسمعك تسألين بصوتك الطفولي الذي يذكرني برائحة شطائر التوت. لم أدر بصوت يذكر صاحبه برائحة كما صوتك. أسمعك تسألين، طالما تقبلت فكرة رحيلي، فلماذا لا تستطيع النوم؟ أوه يا عزيزتي. فارق كبير بين أن أتقبل أمر ويتقبله شيطاني. فارق يكاد يطبق على ثنايا صدري فلا يتركني إلا وقد لحقت بك.
أنا أعرف أن الدود قد أخذ منك الآن أكثر مما أخذت أنا منك حناناً منذ ولدت في مشفى صغير على أطراف مدينة الكويت. أعرف أن روحك الآن قد أخذت وجودا ماديا في عالم موازٍ لا أستطيع له نفاذا. وأنا أتقبل ذلك. صدقيني يا عزيزتي أتقبله. لكن ذلك الجزء الذي يتحدث إلى قلبي لم يستطع هضم الفكرة بعد. ولو كنت أنام بعقلي فقط لاسترحت منذ زمن...


2
قد أبدو لك أنانيا. قد يقرأ شخص ما تلك الرسالة فيما بعد ليقول: “ذلك التعس، لم يكتب لأمه يشتكي من مر الفراق وإنما يشتكي من قلة النوم!” ولكنني أعرف ان كلماتي تلك لو وصلتك فستقدرينها حق قدرها. تعرفين تمام المعرفة أنني عندما أخبرك بالحقيقة فإنني أكون قد وصلت إلى أقصي درجات الحب التي أستطيعها. وعندما أقول كلاما معسولا فإنني في أغلب الأحيان لا أكون في المزاج المطلوب.
أريد أن أنام يا أمي. أريد أن أقنع قلبي، مثلما أقنعت عقلي، أن نهاية كل شيء حي هي التراب. وأن الحقيقة الكامنة أننا نحمل بين طياتنا الموت كما نحمل الحياة. وأن هناك موعد ما سأراكِ فيه. لقد فشلت يا عزيزتي فشلا لا أدري له أولا من آخر لذلك فقد قررت قرارا أعرف أنك لن تتقبليه. أعرف أن الأمر سيكون مفاجئا لك. ولكن صدقيني لم أجد حلا للموت سوى الموت.


3
وآهٍ على المرة الوحيدة التي استطعت نومها ! استيقظت بعدها وأنا دائخٌ وموجع الرأس… بدا بأن طريقي يومها طويل… لم أتنفس بأريحية. ماهذا؟ لعل شيئًا غريبًا حصل، أفكر.. ماذا فعلت البارحة؟ كل الأمور مبهمة.. الطريق يبدو قصيرًا لكنه طويل… لا أعرف، أصبحت غير متأكد. نظرت حولي… المكان خاوٍ ولكنه مليئ أيضًا، كل مشغولٌ بحاله.. ولا أحد يرد على صياحي ! تبًّا ! ماذا حصل البارحة؟ أين كنت؟ وكيف أتيت إلى هنا؟ الطرقات هنا جديدة علي، لم أعهد مثلها من قبل، تبدو مخيفة وسوداء..
ولكنك يا أمي لم تسمحي لي بالخروج مع الغرباء.. ولم تسمحي لي بأن ابتعد عن المناطق الآمنة… كيف لكِ اليوم أن سمحت بهذا؟ أين أنتِ؟ لم أعتد فراقك أيضاً… لم ترض لي, ابنك ذو الاثنا عشر ربيعًا, أن أذهب إلى البقالة بجانب بيتنا وحيدًا. أنا وحيدك.
كنت دائمًا تدللينني، يالدلالك وغيرة رفاقي لأن لدي أم مثلك. تباً.

4
أريدك أن تعرفي يا عزيزتي أن التفكير المنطقي من دونك مجرد كهرباء استاتيكية تمر في جانب عقلي الأيمن إلى الأيسر من دون أي لذة كما كانت في السابق. أريد أن أخبرك كيف أن الفلسفة لم تعد تجدي وأن القراءة أصبحت أثقل من عربات ألمانيا المصفحة وأن شوقي ليديك يكاد تفني له أجزاء من ذاكرتي فقط لتحفظ ذكري الملامسة تلك لأطول فترة ممكنة.
كان آخر ما هداني إليه التفكير المنطقي قبل أن يغلق العقل أبوابه ويطردني على قارعة الهوى هو أن قام بإخباري بالأسباب التي من أجلها سأموت. سأموت يا أمي لأنني أريد أن أنام ولأنني أخشى أن استيقظ في يوم من الأيام وقد نسيت كيف كانت لمسة يديك ولأنني خائف أن ينتهي بي الأمر إلى ألا أفكر منطقيا مرة أخري وأن تنكسر شوكة الفلسفة على صخرة المشاعر.

5
سأنتظرك يا أمي حتى يتحقق هذا الحلم.. ما هو الحلم؟ حسناً دعيني أحكي لكِ :
الناس حولي ينظرون إلي بنظرة غريبة، وكأنني مميز.. رابح… وكأني فزت باليانصيب. تخيف هذه النظرة، تبدو كنظرة زميلي صالحٍ حين كرمتني المدرسة كأفضل طالب في المرحلة الابتدائية في ذلك الوقت. أحب صالح، لكنه بغيض، يكره المشاركة وأناني من الدرجة الأولى. وعلى كوني وحيد أبٍ وأم، إلا أني لم أرب هكذا.. لم ترضِ يا أمي أن يكون لدي أي من هذه الصفات القبيحة.. مازلت أمشي، تبدو خطواتي ثابتة.. طريقي واضح.. ولكنني خائف.. الناس حولي يبكون.. مالذي أوصلنا لهذا.. كان التغيير ممكن، كان الأمر سهلًا.. فات الأوان وسحقًا.
 الطريق يضيق.. السرعة تثبت.. وصوتك يا أمي ينادي “ستصل.. ستصل يا حبيبي!" تعلوه ابتسامة أخرى وتختفي بأن ينظر لجانبه.. الطريق وسخ، ومظلم، ومليئ بما يبدو أنهم حثالة قوم، هل قامت حرب خلال نومي؟ لا.. إنه حلم.. أعلم أنه حلم..
طال الطريق، تذكريني بأن سأصل.. ولكني متعجب أصبحت أسمع صوت والدي أيضًا يناديه معكِ. أبي؟ لكن أبي لا يرد! فقط يقول بأن الحق أمي! والصوت من خلفي.. انظر من خلفي ولا أجده اقترب الطريق، أصبحت أسرع.. أرى الباب بوضوح.. يفتح الباب.. أرى الباب يا أمي أراه. يقترب.. أدخل الباب.. أراكِ يا أمي سعيداً وآخذ بحضنك.. أماه كان حلمًا غريبًا.. قلتِ مبتسمة :
."لا تخف، أنت بأمان"

6
أحد عناوين صحيفة اليوم: “توفى أمٌ وولدها في حالة سرقة لبيت في أحد ضواحي المدينة، توفت الأم بعد الضربة الأولى مباشرة، ونقل الولد إلى المستشفى في حالة حرجة حتى انتقل إلى رحمة الله بعد وفاة أمه بسويعات قليلة".
وفي الأمس… الأب في صلاة الجنازة يدعو لهما ويقول لولد صغير لاقاه بالصدفة هو يدعو لهما “الحق بأمك، الحق بأمك".

لمشاهدة القصة في جريدة الميدان

لمشاهدة القصة في جريدة الراي

لمشاهدة القصة في جريدة أخبار الأدب

إيهاب ممدوح
ExAy7@

العوائق التي تقف أمام أمريكا وروسيا ليكونا دولة واحدة


كتب هذا المقال في صحيفة واشنطن بوست وحاولت أن أترجمه لكم أعزائي متابعي "جريدة المليونية" بقدر الإمكان وباختصار، أرجو أن يكون مفيداً لكم.

أخذت العلاقات بين الدولتين، روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، في التوجه إلى منحنى منحدر خاصةً بعد تبادل الإنتقادات اللاذعة بين كلاً من الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين وحكوماتهما.
 ولكن ماذا عن مواطني البلدان؟ هل هما على خلاف كما يوحي كلام زعمائهم؟

أجرى مركز بيو للأبحاث ومعهد غالوب استطلاع آراء وعبر هذا الاستطلاع ظهرت آراء عديدة في هذه القضية من منظور كلا الشعبين ومن منظور عالمي. أيضاً كانت بيانات هذه الأبحاث تقدم أفكاراً مثيرة للاهتمام في ما أعتقد الروس والأميركيين حول بعضهم البعض. وكيف يختلفان في الكثير من الجوانب، وكيف يتشابهان في جوانب أخرى..

وهنا تعرف عزيزي القارئ قدر الاختلاف بين الأميركيين والروسيين, من خلال نظرتهم في بعضهم البعض ونظرة باقي العالم لهم, الأشياء المختلفة والمشتركة التي لم تك تتوقعها, وكل الأشياء, التي في رأيي, لا تفعل سوى أن تفصلهما عن أن يكونا دولة واحدة..


الاحترام الحكومي للحرية الشخصية

هل تحترم الولايات المتحدة الأمريكية الحرية الشخصية لمواطنيها؟

وأتى من ناحية التفكير في هذا الأمر، أن أقل من نصف الروس يظنون أن الحكومة الأميركية تحترم الحريات الشخصية، وتشكل هذه النسبة 20% أقل من نسبة العام الماضي. والمثير للاهتمام والملاحظة أنه قبل سنة واحدة فقط أجتمع الروس والاميركيين على رأي مماثل حول احترام الحكومة الأمريكية للحريات الشخصية بنسبة أعلى من هذا الاستطلاع الحالي. وقد ظهر انخفاض ضخم في هذا الرأي منذ حدوث الاضطرابات الأخيرة في أوكرانيا. فضلاً عن اكتشاف التجسس والأعمال الجاسوسية هنا وهناك لصالح وكالة الأمن القومي الأميركية.

وكانت نتيجة الاستطلاع السؤال الذي بدأت به الفقرة :

"لقد أجيب في عام 2013 بنعم نسبة 69% من الأميريكيين وأتت النسبة متقاربة جداً بنفس الإجابة عند الروس حيث كانت 67%

أما في 2014 فقد تغير الأمر تغيراً ملحوظاً، فقلت نسبة إجابة الأميريكيين بنعم إلى 63% وانهارت ثقة الروس حتى وصلت لنسبة 47% أي بنقص عن العام السابق ب20% !"

ثم، في استطلاع آخر عالمي، انخفضت الثقة في الولايات المتحدة الأمريكية من قبل البلدان أخرى، حيث يعتقد أغلبية المجيبين على الاستطلاع في العالم بنسبة 58% فقط أن الحكومة الأمريكية تحترم الحريات الشخصية لشعبها. وهذا أكثر من ضعف العدد الذي يعتقد نفس الشيء عن روسيا, والذي تكون نسبته 28% لا أكثر.
                                                               

آراء الروس والأميريكيين في بعضهم البعض

عامةً, أصبحت نظرة الروس والاميركيين في بعضهم البعض أكثر سلبية اليوم عن أي وقت سابق في السنوات ال 10 الماضية, وأستعنت بالرسم البياني التالي, من التقرير المترجم, ليوضح الهبوط المستمر في آراء الروس والأميركيين في بعضهم البعض بين عام 2002 وعام 2014.



الفكر العام نحو حكومات البلاد

تختلف طريقة تفكير عموم الناس بين البلدين، وبرز هذا الاختلاف في سؤال هام وهو : كيف ينظرون إلى قادتهم؟ ففي روسيا، بينما ارتفعت شعبية بوتين، نمى ضجر عام أميركي وبدأ يتزايد تجاه الرئيس أوباما.

وربطت شعبية بوتين القوية لحماسة الروس حول العمليات العسكرية للبلاد في أوكرانيا. ومع ذلك، فقد يكون هذا الدعم هش على المدى الطويل؛ أظهر الاستطلاع نفسه أن الرضا بالحياة هو حوالي 20% أقل عند الروس مقارنة بالأميركيين.


الحياة ولعبة الحظ!

ولو جئنا إلى المعيشة، فالروس هم كذلك أكثر احتمالاً من الأميركيين إلى الاعتقاد بأن على المرء أن يكون محظوظ المضي ليستطيع الأخذ قدماً في الحياة بنسبة 49%, وهو فارق ضخم موازاة للأميركيين الذين يظنون بالحظ ب19%.

وفي حين أن العديد من الروس يعتقدون أنهم بحاجة إلى أن تكون محظوظاً لتحقيق أهدافك، ما يقرب من النصف لا يعتقدون بالعيش في اقتصاد سوق حر من أجل القيام بذلك من الأساس.
- الخلاصة كما فهمت: يؤمن الروس بالحظ والحياة عكس الأميركيين المعتقدين بالاقتصاد الحر والمادة، وأنا من كنت أظن العكس!


المجتمع والحياة الجنسية

هنالك كذلك بعض الثغرات الواسعة بين الشعبين عندما يتعلق الأمر بالقيم الاجتماعية، مثل الموافقة على العلاقات الجنسية المثلية, فنجد ترحيب كبير بنسبة 72% لهذه العلاقات عند الروس, لكن الأميركيين قبولهم بنسبة 37% أي قبول ضعيف للعلاقات المثلية, أو يمكن أن نسميه رفض غير معلن.


فودكا كل شيء هنا فودكا


الحقيقة أن الروس هم أكثر ميلاً من الأميركيين في العثور على أن الشراب, شرب الخمور والكحوليات, من الأشياء الغير مقبولة أخلاقياً, فتفوقوا على الأمريكيين بنسبة 44% عن نسبة 14%؛ ربما تصدم هذه المعلومة عشاق الفودكا الروسية!

معلومة : أجتمع كلا الشعبان أن الفودكا هي نوع الكحوليات المفضل لديهما.


الأميركيون والروس والتفكير بالمثل

بعد كل ما سبق من اختلاف في الآراء والفكر, إلا أن في القضايا الاجتماعية الأخرى والعديدة يتوافق الروس والأميركيون في نفس الآراء تقريباً من حيث أرضيتها المشتركة على الأقل.
 على النحو الآخر، الأميركيين والروس هم فعلاً شبه لبعضهم البعض عن وجه شبههم بباقي سكان العالم في العديد من البلدان الأخرى،وسيظهر هذا في الرسم البياني التالي مثل ما هو موضح, والذي وجدت كذلك أنه من الأفضل أن أستعيره, من التقرير المترجم، على أن أشرحه شرحاً قد يطول..



إيهاب ممدوح
ExAy7@

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

حكايات الليل الضائعة



بداية دعني أقول لك أن ليس كل شيء يشابه ما يبدو عليه، كما عليك معرفة أن هذا المقال شخصي بحت، فكل ما كتب هنا من وحي الخيال الحي، إلى ريم وإلى الأصدقاء وإلى الليل الذي لم أعش غير فيه، دون ندم أو أمل.

(1) بنت اسمها ريم

الشارقة، الإمارات
2013

تقف بعيداً، تسمو بجميع معاني الجمال فوق صخرة مطلة على الخليج. سارحة هي في ذلك الفناء الأسود بلا هدف. عالية تحلق ولا يلحظها أحد وكأنها غير موجودة. يبتلعها السواد وتبرق من خلاله عيناها الأكثر سوادا. على رغم كل ما في جسدها من ملذات لم أرمقها بشهوة قط. المكان لا يخلو من الضجيج، هي لا تهتم، تقوم فرقة موسيقية بالعزف فأطلب من أحدهم الأوكرديون الخاص به وأنطلق بالعزف منفرداً. نعم نعم، لقد لفت إنتباهها، أستمر في العزف وتتابعني بعيناها التي كدت أن أبدي كل عجزي أمامهما، لوهلة شعرت بها تتراقص على أنغام الموسيقى أمامي من ثم أدركت أن الدنيا هي التي تتراقص بي. مثل عازف الجنة كنت أنا !

أنتهيت أخيراً فقام بالتصفيق لي قلة قليلة حولي، استوقفتني وقالت لي بهدؤ انتزعني "برافو"، انتابني الشعور بالارتباك، في حياتي ما أستوقفتني فتاة لم أك بسابق معرفة بها. في حياتي لم تستوقفني فتاة أردتها كهذه، من النظرة الأولى وانسدالل الشعرة الأولى على قلبي. سألتها بمرح طفولي كنت أظن أنني لم أعد أملك نيف منه "أنتِ اسمك ايه؟".. ومن هنا بدأ كل شيء.

تدعى "ريم"، لبنانية، شيعية المذهب، العائق الأول الذي لم أهتم به أبداً، ثلاثة أيام يا ريم كنا معا. ثلاثة أيام حضرت بروحها في الأول وحضرت بنفسها وروحها وجسدها في الاثنين الباقيين. كانت صريحة معي للغاية وأعترفت لي بأنها لا تحب المصريين وأنني حالة خاصة بالنسبة لها، فأخبرتها بأن هذا لا يضايقني كثيراً فأنا أيضاً لا أحب أحداً. الغريب أنها تحب الأدب وهذا ندر ما وجدته في فتاة، خاصة عندما تكون حسناء، متابعة للقضية الفلسطينية بل ومؤيدة ثائرة من أجلها. لقد كانت، بلا مبالغة وبلا أن أشعرها أيضاً بهذا الأمر، ملهمتي. قضينا يومين ولا في الأحلام. ماذا فعلنا؟ ولا شيء. لقاء على شاطيء الشارقة الأسود و غيره في دبي، حكت لي كل ما جرى. كانت الأم والحبيبة والوطن.. تولدت قوتها من حبي وتولد حبي من ضعفها، أول قبلة على شفتاي، أول حب حقيقي وأشياء أخرى أبخل بالحكي عنها حتى لنفسي.

الآن، أين هي؟ هي الذي ظن الجميع أنها مجرد خيالات تتداعى من أفكاري، هي التي كتبت فيها القصص والأشعار. تبادلنا الرسائل من الكويت إلى الولايات المتحدة ومن الولايات إلى الكويت، أنتهى الأمر لما سألتني عن مصير علاقتنا وأنا "السني" و هي "الشيعية" فكيف ستكون نهايتنا؟ طلبت منها أن لا تأبه، ففعلت ولكنها لم تأبه بي أنا. كأن البعد يثقل القلوب هموما وينسيها الوعد الذي كان. تبادلت الرسائل مع ريم بريدياً كما لم يفعل أحد في هذا الزمان، وقد انقطعت الآن عني لينقطع وراءها كل شيء وهكذا سأوجه رسالتي لك حالاً يا ريم، في الليل، كما رأيتك وتلاقينا، وكما أحببنا بعضنا، ومثل ما هربنا وعرفنا بعضنا البعض، لعلك تقرأينها :
 حبيبتي ريم، لقد أصبح كل شيء روتيني للغاية إلى حد الملل.. على عكس ما عهدتيني بالأمل و التفاؤل، أنا محبط.. يائس من حياتي عديمة القيمة و الأهمية، أصبحت محاطا بالأغبياء الذين لا يتفهمون إختلافي معهم، الإنسانية وعزة النفس والحب والثورة.. كلها وغيرها من المعاني التي أملنا وجودها ما هي إلا كلمات نثرت من العدم لتعود إليه.. لا تنسِ المرسال الذي وعدتني به بدل اللقاء منتهِ المصير .. دائماً سأكون هناك، منتظر.

(2) ضحك وحزن وهم

المنيل، القاهرة
يوليو 2014

فور وصولي إليها وفي أول لقاء لي معه فيها يحدثني صديقي ع.س عن حال البلد الذي ساء وأصبح لا يحتمل. نفسيات الناس السيئة والتعامل الاإنساني. الصدمة من الواقع المعاكس لهراء الشاشات الصغيرة الناقلة الحال لنا ونحن هناك، في الكويت، والأهم من كل ذلك هو الأسى الغير ظاهر في لهجته عن فشل الثورة. ابتسم وأقول له بأمل كاذب "ليه كدا بس؟ ما البلد أهي زي الفل". فما يلبث أن يسخر مني.

أعرف ع.س جيداً، حين يريد أن يخرج من موقف محرج أو مرير فهو يلجأ للسخرية والدعابة مباشرةً، ولذلك، في هذا الصيف بالتحديد، كان أكثر ميلا في أغلب الأوقات إليها، ولن أنكر أنه كان في عز "مسخرته" أثناء السخرية من أي شيء. كنت أضحك، أغرق في نوبات هستيرية من الضحك، ثم تخاطبني نفسي فتطلب مني ألا أفرح كثيراً، فما هذا إلا ضحك مجروح يداري وراءه الكثير. أحاول أن أكذب نفسي و أفشل. أصمت. أنظر إلى النيل الذي لم أحبه يوماً لمقارنتي له مرغما ببحر الاسكندرية.. موطني الأول والأخير..

لما عاودت النظر إلى ع.س بعد انتهاءه من السخرية كانت عيناه مليئتان بالهزيمة، طلبت منه هو و م.ف رفيقي الآخر الذي كان معنا أن أدخل إلى مسجد قريب من أجل إفراغ حاجتي في حمامه، دخلت الحمام وأغلقت على نفسي بإحكام وكأن أحداً ينتظرني في الخارج ويراقبني، وبدأت في مسح الدموع، دموع القهر.

(3) عن خيبات الأمل المتكررة

أبوحليفة، الكويت
أكتوبر 2014

في طريق العودة، يكلمني ع.م عن الفتاة التي يحبها، أقوم بإخباره بأنها ليست على القدر الأخلاقي المطلوب كما يظن، وإن لم أرى ذلك بعيني فيكفي أني سمعت، هكذا يتطلب مني واجب الصداقة و"الرجولة"، أو في واقع الأمر قد أكون فعلت ذلك ﻷرضي ساديتي فقط. لا أعلم. يتلعثم ولا يتوقف عن سرد كيف يعشقها، هو ليس صريحاً، تارة يعترف بجنونه بها و تارة أخرى يعلن أنه لن يتأثر إذا لم يظفر بها. يبدو نسيم الهواء قوياً والطرقات خالية، تمر طفلة وحيدة في الناحية الأخرى من الشارع فيقاطعنا الصمت ويعطي كل تركيزه لهذه الطفلة ليصيبني الشك باحتمالية أن تكون هي.

كليلة شتاء باردة كنتِ أنتِ !
ندمت على قولي لصديقي كل ما قلت، هل علقته بك أكثر أم خلقت بينك وبينه حلقات مفرغة لا يوجد ما يملأها؟ فهو يقترب منك ويبتعد خوفاً من كلام الآخرين، أقول له أنني كاذب، هم كاذبون فاشلون، لا يسمع ولا يبتعد عنك أو يقترب، يرقص على سلم سيأخذه ليرتطم على وجهه في الضفحة الأخيرة من القصة. في لليل على جسر ممتد في البحر يحك عنك بحزن عميق للأشجار والقمر والنجوم، يحك عنك لكل ما في الكون إلاي، وتحطمي أنتِ قلبه بتجاهلك ليعاتبني بنظرة لوم أبدية.

(4) معتقلات

أبوحليفة، الكويت
28 نوفمبر 2014

لو كان الشواء رياضة لكنت بطل العالم فيه، أحب الشواء لما فيه من ألفة وروح حميمية بين الأصدقاء، بين المشعل والشاوي والواضع والآكل، كل الوظائف المتبادلة والحكايات كذلك،  تشتعل النيران لتدفئ أرواحنا كالقمر في قلب السماء، نغني مع بعضنا أغان مختلفة ولا أندمج إلا مع آنسة الفن فيروز والرحباني في رثائه المعظم لنا

"يا عود يا رفيق السهر يا عود
متكي على المخمل بتتوجع
وتروح عا آخر دنيي و ترجع
تكتب و تمحي حدود يا عود
إحكيلي عالسهريات
بقصور كلها رخام و نوافير
وتشعشع الكاسات
عخصور تتلوى وحرير يطير
بحيرات مي ونار
وصوتك يشتي قمار
يشتي حلا غيم وزنابق سود
يا عود"

أكان للأمر علاقة بزياد رحباني؟ وقد كان هو من ترك لبنان لحزب الله خوفا من الاصطدام أو العتقال، بصراحة، وصفع إيانا بالقوي، تسلسلات قهرية استمرت و أنهاها زياد بما فعل مما ترك فينا بصمة محزنة قاتمة. في أعماق الخليج يقف الصديق ه.ش بعيداً بعيداً، رافعاً بنطاله إلى ركبتيه واضعا سماعات الهاتف في أذنه كمن لم يعد يهتم بأي كان. بالطبع نحن نعرف ما كان يفكر فيه. الأمر سهل للغاية وبالرغم من ذلك أصعب ما يكون. هو يفكر في أخيه الذي في المعتقل في مصر، أم الدنيا، أخيه الذي لم يفعل سوى أن جلس في البيت ليفتن عليه أحد كارهيه بأنه تابع لجماعة الإخوان ومن هنا بقي خلف القضبان وحيداً حائراً بكل الظلم الذي في الدنيا. لو كان ه.ش هو الذي أعتقل لكنت صدقت الأمر وأستوعبته لتمرده وصموده ضد الظلم وعدم الخوف، بينما أخاه الأكبر لم أسمع صوته في كل المرات التي شاهدته فيها في حياتي.

 ترى كم مرة سخط الحكومة؟ السياسة؟ المسؤولين؟ الشعب؟ البلد؟.. مشيت إليه بخطوات متثاقلة فتفاداني موجهاً وجهه نحو الجهة المعاكسة، سألته "مالك" فأشار إلي، والمرارة على وجهه، بأصبع واحد يعني منه أن سنة كاملة قد مرت ومضى.
نذهب بعدها لقهوتنا التي شهدت أعظم ليالينا بكل بؤسها وما تبقى فينا من دنيا، وسط الحديث يأتي أحد الجالسين بسيرة أحد أقاربه والذي كان، كما روى، في لجنة الخمسين لينطلق صديق آخر بلهفة وحسرة في آن واحد لم أرهما فيه من قبل ليقول "ايه دا؟ يعني ممكن دا يتوسط لابن خالتي عشان يطلع؟" يسود الصمت. استفسر عن ابن خالته الذي أول مرة أسمع عنه وعن اعتقاله مع العلم أن علاقتي بهذا الصديق وطيدة، لأعرف من التفاصيل أنه طالب في كلية طب و قد تم اعتقاله من ضمن الذين اعتقلوا أيام المجلس العسكري. نحلم في هذه الجلسة بالسفر، في أي مكان لا ينتمي لهذه العروبة، نحلم ونتناقل اسماء البلاد ونسافر إليها حين ننام على سريرنا بعد العودة للمنزل.

ثاني يوم، أستيقظ متأخراً في الليل لسهري الطويل في اليوم السابق، أول ما فعلته هو سؤالي عن نتيجة محاكمة طاغية مصر وناهبها حسني مبارك لأعلم ببراءته، أشعر بصدمة لا تنتهي، يضيع تركيزي ووقتي في العدم، تكلمني ه.و ولا أرد. أكتب هذه القصيدة :

أنا قلت ألاقي حياة
أنا قلت أكون مبسوط
أنا قلت اعيش ويا
الثورة في الملكوت
والحلم ماتحققش
والحكم كان ظالم
غدر القرار موت
قلبي اللي كان حالم
الحلم كان رحلة
والرحلة حدوتة
فالرحلة ملغية
حكاويا ملتوتة
عشق الجبان لأمان
كداب في تفاصيله
خلاه يجيب الوهم
ويبيع قصاده الروح
الروح في روح الله
ومن باع الله مجروح
كدب الحياة زايف
والحق مسيره يبان
الحق مش خايف
وفي يوم من الأيام
لما أشوف البنت
وأبوسها في خدودها
-البنت (حورية)-
مخرجتش ع حدودها
فمجالهاش الخطاب
لجل الشرف والصون
عمره ما دق الباب
ساكت سكوت الكون
وفي مرة حورية
راحت بعلو الصوت
تقول : يا حرية
رعبت وحوش وأسود
بس الحياة صايعة
والغدر عنها غريب
فارقت (حورية) حياتنا
على أمل إن احنا نجيب
حق اللي مات في الوحدة
حق اللي ماتوا بصمت
لكن ظروف المحنة
ضعفت فينا الآمال
همومي على كتافي
ماشي كما الشيال
باخد على قفايا
عمال أنا عمال،
الرقص على قبرها
شغال ولا الأعياد
والميتين وسطها
في سماهم لفوا بلاد
والحزن ماخلصشي
ورضاهم صار ممنوع
نقول يا معلشي
فتلف الكلمة نجوع
نجوع لأكل وروح
نسكت ساعات ونبوح
يجي الظالم وتفوح
ريحته الزانية
والضربة القاضية
الضربة الخاينة
قتلت فينا الأحاسيس
قتلت فينا الأحلام
دمي في بلدي رخيص
ومن غير أي كلام
مشى وسابنا البدر
طبع بلدنا خسيس
طبع بلدنا الغدر..
.
ثم أنام بعد هذه القصيدة التافهة، ولأول مرة في الليل !

إيهاب ممدوح
ExAy7@

الخميس، 27 نوفمبر 2014

خاتمة الإله الأخيرة




يقال أن الشعب المصري يعشق صنع الآلهة. الجديد اليوم أن القارئ المصري أصبح كذلك! لا أود أن أكون قاسياً، لكن “إنما للصبر حدودًا”.

لقد نصبه الكثير من الناس _رسمياً_ إلهًا، و الإله لا يحاسب و لا يسأل عن أفعاله، لذا سيتهمني نفس الناس في ما سأقول بالكفر، أنا حقاً لا أكترث، فأنا لا أعرف غير إله واحد بالتأكيد ليس هو، ما هو إلا صنم كبير سيلقى حتفه بمرور الزمن ليتركه الناس و يعبدوا غيره، أو على أقل تقدير سينسى لو دخل في قلبهم الإيمان.

قرأت له العديد من أعماله و تعجبت ليس مما وصل إليه، كلا، فأنا أعلم أن النجاح لا يعتمد كلياً على الجودة كما تعتمد نسبة كبيرة منه على الرزق و النصيب! كل ما جعلني أتعجب إلى حد الجنون هو عدم ادعاءه بالعبقرية أو معرفة بواطن الأمور فقط، لا، أصبح هذا أمراً معتاداً في الوسط الثقافي و جميع الأوساط الفنية و غيرها عامةً، لكن الوصول للتأليه كانت مرحلة جديدة من جنون العظمة لم نتعامل معها من قبل، أعود لأقول: الفرق ليس كبيرًا، في النهاية كلهم فاشلون.

بدأت له بالنبطي فبدأت أشكل فكرتي عنه بأنه “يأخذ في تمجيده أكثر مما يستحق” لكن لم تمثل هذه الفكرة أي مشاكل لي معه و لم تشكل عائقاً أمامي للاستمرار في قراءة باقي أعماله، لما تمعنت في قراءة كل من (محال) و(جوانتنامو) لم أجد سوى أسلوب ساذج في عرض الفكرة كما لو كان يسرد قصة أطفال، والمفترض أن ينبهر الجميع بعدها، و الغريب أن هذا ما حدث!

الأغرب أن هنالك نية لإكمال هذه المهزلة عن طريق جعلها ثلاثية، و هنا يأتي على بالي الإله أحمس لسبب مجهول.

لكي أكون محقاً فقد أبدع في (عزازيل)، ولكن هذا لا يعطيه الحق في أن يتنصب علينا إلهاً، فلو كانت هكذا لكان لنصرالله إبراهيم أو بهاء طاهر مثلاً الحق في خلق الآلهة، و هي مرحلة غير موجودة افترضت أنها أعلى من الإله ذات نفسه، أو بطريقة أخرى: كان من حقهم يضربوننا بالنار. أتذكر في مرة حكى لي صديق أنه كان في تجمع صغير و قال: “د.أحمد خالد توفيق كان محقاً لما قال أن عزازيل هي رواية الإله اللعنة، فهو لم يكتب غيرها”. لترد عليه صديقته: “عزازيل هي روايته اللعنة حقاً، لأنه لم يكتبها أصلاً”. أبحث في هذا الموضوع فتظهر حقائق كثيرة تدل على مصداقية كلام الفتاة، أنتهي من البحث ولا أهتم.

يظهر بوضوح على الفيس بوك ما يسمى بـ”خطرفة الإله”، فتارة يدعي الديمقراطية و الانفتاح و تارة يحظر معارضيه في الرأي حتى لو كان باحترام خالص، مرة يهاجم الشباب، الثوار منهم بالتحديد، بشكل غير مباشر و مرة ينادي بحرية ماهينور المصري! أحياناً يسخر من جهل الناس و أحياناً يذم السخرية مدعياً أن من نسخر منهم لم يختاروا ما هم فيه بمحض إرادتهم.. المزيد المزيد من “الهرتلة”!!

كل هذا مقبول، فالهذيان مباح للجميع، و لا أريد أن يعتبرني أحد من أعداء النجاح، و ليكن، ليُقل ما يقال طالما أني أقول ما آراه.. لم أقرر أن أكتب هذا المقال إلا حينما تكونت مشكلتي الحقيقية معه، و مشكلتي كانت أنه صدق كونه إلهًا أي “صدق نفسه” فعلياً، فقد ادعى مؤخراً بأن مذبحتي صبرا وشاتيلا قام بهما العرب وأن الصهاينة منها براء!

السؤال هنا لماذا؟ لماذا تفعل كل هذا؟ هل أصبحت الشهرة و إثارة الجدل حولك لإلقاء الأضواء على سيادتك أهم من فلسطين و الفلسطينيين؟ بسهولة اتهمت من عاشوا و ماتوا في بؤس بالخيانة لتزداد رفاهيتك الفانية؟ إنها لمأساة حين يخرج هذا الكلام منك، فأنت إله عظيم، كما سمعت، و كنت أظنك أفضل من ذلك، السهولة التي أعلن بها هذا الكلام تتناسب طردياً مع شجاعة الفلسطينيين الذين لم يؤلهوا فيه أشخاصًا مثلك!

ولو خيرتني بين السهولة و الشجاعة، و هما ليسا بصفتين متضادتين، لاخترت، بافتراض التضاد، أن أعيش بصعوبة أو أموت شجاعاً على أن أعيش سهلاً متناقضاً أغني لكل من لم أستطع أن أكون عليهم إلهاً نفس الجبان.

حاولت أن أضع نفسي مكانه لمدة ليست بقصيرة حتى أفهمه فخرجت منه بخاتمة روايته الأخيرة، وكانت الرواية عنه هو، و ها أنا أرجعها إليه:

“أنا.. من أنا؟.. أنا الإله الذي اختاروه ليعبدوه بعد أن تاهوا بين زحام الآلهة في خيالاتهم، أنا الإله المؤيد منهم لفعل كل شيء و أي شيء أريده مقابل أن يتلذذوا بعبادتي، هم يعشقون العبودية وقد أتى دوري لأكون إلههم، أرادوا أن يجدوا إلهاً جديداً بعد أن مات الآلهة الذين سبقوني في قبور أفكارهم. هم يشغلون أنفسهم بعبادة ربهم _الذي هو أنا_ بنفس المقدار تعاطيهم للمخدرات، أنا الإله الذي قرروا أن يتعاطوه مع المخدرات ليهدئوا من روعهم قليلاً.. تعاطوا المخدرات لكي ينسوا مآسي حياتهم، ونصبوني إلهاً لكي ينسوا إله الآلهة و رب الأرباب الذي لم ينسهم يوماً.

حاولت كثيراً أن أتنازل عن هذا المنصب و لكن في البداية كنت خائفاً من اللعنة و السخط، أما بعد أن توليته و مضيت فيه وقتاً، رأيت مميزاته و نعيمه فأيقنت أنني لن أعرف كيفية تركه أبداً.. حتى إن خرجت عليهم لأخبرهم بالحقيقة فماذا سيحدث؟ سيختارون إلهاً آخر مثل ما اختاروني و مثل ما سيفعلون بعد موتي. إن عقيدتهم في العبودية لا تتغير، ثابتة، إلى النهاية. حتى هؤلاء غير السعداء بتنصيبي إلهاً فهم لا يفرقون عن غيرهم بشيء، أولئك رفضوني ليس لتمسكهم بالحقيقة الواحدة بل لتمسكهم بإله آخر من نفس الكوكب!

ربما سيأخذون ذنوباً لا حصر لها بسبب عبادتي مما يجعلهم ضامنين دخول النار رغم كل ما فعلوه من طاعة و عبادة!ً مع ذلك أعي جيداً أنني سأدخل الجنة. فأنا لم آمرهم يوماً بأن يعبدوني و ما أجبرتهم على ذلك قط. أود أن أشكر أول شخص فكر في فكرة عبادة إله من الأرض، من نفس كوكبه و خلقته، حقاً أنا مدين لكم بالكثير. الآن سأعيش ليعبدوني، و غَداً سأموت لأحظى بالجنة، يا لي من محظوظ! شكراً يا مغفلين!”.

في نهاية المقال أود أن أقول عزيزي القارئ بأن لك حرية الحكم على هذه الخاتمة، فإن وجدتها سيئة عبثية خزعبلية متكبرة فقد أثبت نظريتي في الإله الذي تكلمت عنه و وضعت نفسي مكانه و أنا أكتب خاتمته أثناء عده التنازلي. أما لو وجدتها جيدة ممتعة عظيمة رائعة فتذكر أيضاً أن من كتبها هو أنا و بذلك أكون قد حجزت دوري في طابور الآلهة لتعبدني يوماً في الحياة و أدخل الجنة بعدها في الآخرة، هناك حيث لا يوجد إلا إله واحد.

_______________________________________

تم نشر هذا المقال في ساسة بوست بتاريخ 14 نوفمبر 2014.
لمشاهدة المقال من هنا.



إيهاب ممدوح
ExAy7@

لماذا أكره أدب نجيب محفوظ؟



مشكلتي مع أدب نجيب محفوظ لا تنتهي.. في البداية يجب أن أقول لمن فكروا في الوهلة الأولى التي قرأوا فيها العنوان بمهاجمتي أن المشكلة لا تتعلق بالطبع بالقيمة و الاتقان في الكتابة، فهذا الموضوع بالتأكيد لا خلاف عليه بنسبة كبيرة على الأقل، إنما هو أمر شخصي بحت ولكنه بالتأكيد أعوص و أصعب.. نجيب يتحدث عن الحارة.. عن البلد التي قالوا لي أنني أنتمي لها و إلى الآن لم أصدقهم.. يحكي حكاياتها و يتكلم عنها بجرأة دون أن يخاف من ذكر مساوئها و لكنه نهاية بشكل ما، حاولت كثيراً أن أعرفه و باءت محاولاتي بالفشل، يجعلك تحبها حتى لو لم يذكر لها حسنة واحدة، و حتى إن كانت النهاية مأساوية فسيظل ذلك السحر الخفي موجود و بقوة.. في الواقع، الواقع الذي كان يتحدث عنه نجيب تطور كثيراً تغيرت فيه أشياء لا حصر لها تغيراً جذرياً و لم يبق منه سوى السخط الذي بقي كما هو إن لم يزدد عن ما سبقه بمراحل عدة.. أكره أدب نجيب محفوظ لأنه يذكرني بما مضى و بما سيأتي.. يذكرني بأن "ولاد الحارة" لن ينتصروا أبداً على الفتوة حتى لو أدعوا ذلك بنصر زائف لينصبوا بعدها فتوة آخر لا يختلف عن من سبقه سوى في الشكل و المنظر، لن ينقطعوا عن عبادة "الفتوة" مهما تغير أسمه و شكله بل أنهم سرعان ما سيأتوا بواحد جديد بعد انتهاء من قبله ﻷنهم لا يستطيعون العيش بدونه و دون ظلمه.. يحزنني عندما يقول لي أن آفة حارتنا النسيان والتي مهما تغيرت فالنسيان هو مصيرها.. صراحةً أكرهه ﻷنه يجعلني عاريا أنا و بلدي أمام مرآة واضحة لا يوجد بها خطأ.. لماذا تفعل بنا ذلك يا نجيب؟.. أحمد الله أنك لست موجوداً الآن، في كتاباتك الماضية كانت الكراهية تتمثل على أنها عاطفة إيجابية تحاول من خلالها جعلنا أن نتغير أو على الأقل ألا نصبح أسوأ.. للأسف لا أحد يقرأ و التوغل مازال في ازدياد لانهائي.. لو كنت هنا الآن لكنت ستصرخ و تصيح في أدبك حتى تجعل من يقرأ لك لا يحتمل ليس فقط أدبك بل الحياة كلها.. و هذا ما حدث لي مما مضى فقط !

أكره أدبك يا نجيب و أفضل أن أتوه في أدب آخر في مكان آخر بلغة أخرى ولا أعي خطورة الأمر.. مثلاً أن أرافق أدب باتريك موديانو و الذي لا يقل عن أدبك في السرمدية و الضبابية، و لا يختلف عنه في الريبة و الخوف و البحث عن ملاذ لا يوجد.. الميزة فقط هنا أنه قد يصحبني في نزهة ليلية في الشتاء لشوارع باريس المضيئة التي طالما تمنيت أن أذهب إليها و أوقن لسبب مجهول أنني سأموت دون أن أفعل ذلك.. الفكرة لا تتوقف على باتريك فقط، و الذي هو مجرد مثال، بل تنطبق على كل من سيصحبني إلى مكان آخر أعيش فيه حياة أخرى.. لا أعلم لماذا أقول كل هذا الكلام و لكن أنا أكره أدبك يا نجيب ﻷنك تخبرني بأننا لن نوجد من جديد و هذا ما لا يؤلمني لكن ما يقهرني هو أنك تواجهني بمصيري في بلد لا أنتمي له كما تخبرني أيضاً بعدم مقدرتي على الإنسلاخ ﻷكون شخص أو شيء آخر ﻷنسى العربية قراءة و كتابة.. أتعلم؟ أرى خلف ابتسامتك في أغلب صورك حزناً ثابتاً له رائحة خاصة لا أتوه عنها.. حزن عندما أراه ألعن كل تلك الأشياء الجامدة في البلد.. ألعن حتى نفسي و الناس و الزمن و النجوم...

صرخت كثيراً في رواياتك، بلا صوت، بلا أمل، و ضاعت القيمة الحقيقة في أدبك وسط أصوات المهللين الأغبياء و لم يسمع أحد ما كنت تقوله بين السطور.. مع ذلك أنت لم تتوقف عن الصراخ، و أنا بعد كل ما كتبت لإثبات كرهي ﻷدبك، لن أتوقف عن القراءة لك.

________________________________________

تم نشر هذا المقال في كل من جريدة القبس والراي الكويتيتين.
لمشاهدة المقال في القبس من هنا.
لمشاهدة المقال في الراي من هنا.
لمشاهدة المقال في فيس بوك من هنا.




إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

إنسانية القتل



القتل يكون مفيد أحياناً.. نعم لا تتعجب عزيزي القارئ إذا قلت لك هذا ، ففيلم ثلاث أيام للقتل - 3Days to kill أثبت ذلك و بشدة، فهذا الفيلم الرائع بجميع المقاييس الانسانية -و ليست السينمائية- استطاع أن يجعل الإنسانية تصحو في المشاهدين.. إصطدام الإنسانية بالوحشية ، النزاع بين الوفاء للوعد و الإخلاص في أداء الواجب ، الشر الذي يؤدي إلى الطيبة اللامتناهية.. كل هذه العوامل ساهمت في نجاح الفيلم منذ بدايته عندما كان إيثان رانر (كيفين كوستنر) جاسوس دولي يؤدي المهام الخطرة و يواجه الأشرار ، حتى أصبح أب لفتاة طائشة مسؤول عنها و عن جميع تصرفاتها في العاصمة الفرنسية.. كان كيفين كوستنر موفقا جداً في دوره بحيث أنه أستطاع الجمع بين أغلب حوانب حياة الجاسوس و جميع جوانب حياة الأب.. و أقول جميع جوانب حياة الأب لأنه أعطى للأب العنان ليقوده طيلة الفيلم منذ أن كان يريد أن يكلم ابنته في أول الفيلم مروراً بانقاذها عندما تعرض لها مجموعة من الشباب في ملهى ليلي.. نهاية بعدم تنفيذه للقتل في نهاية الفيلم مع أنه كان بامكانه ذلك و بذلك يتم المهمة و يستطيع أن يأخذ الترياق الذي يعالجه من مرضه اللعين -و قد فعل ذلك لتلبية وعده لزوجته و حبا و خوفا على ابنته-.. و أنا حقا أحسده على ابنته الجميلة ، فهي استطاعت أن تثبت أنها كانت الأحق بالدور .. هالي ستينفيلد هي ابنته المذكورة أو زويرانر مثلما .. فهي ابنة طيبة رغم غطرستها ، جميلة رغم طيشتها ، بسيطة رغم تكلفها.. لقد أدت هالي ستينفيلد دورا للتاريخ سيفرق معها في مشوارها الفني كله و لوحظ التطوير الكبير في أدائها و الدليل على ذلك أنني لم أشك في لحظة لنها ابنة كيفين كوستنر .. و كما قلت الفيلم ناقش العديد من النواحي الانسانية بحيث ناقش قضية المستعمرين للشقق في فرنسا و كانوا مكروهين في بداية القصة و لكن بسبب الأمر الواقع ظلوا في الشقة و أثبتوا حسن نيتهم و أنهم قد يكونوا أفضل بكثير ممن يدعون انهم أصدقاءك ، كما تعددت المناقشات الخاصة بين الأب و ابنته و التي سيطرت على الطابع العام للفيلم ، نهاية بانقاذ الرجل الذي ساعده في التخلص من أعدائه و الذي كان على وشك أن ينتهي معهم بانقلاب السيارة التي كانوا فيها.. في حين كانت امبر هيرد تؤدي دورها بامتياز واضح كانت كوني نيلسن لا تؤدي دورها كما هو مطلوب .. كان اختيار الأشرار في الفيلم غير موفقا و كانوا سذج لدرجة أن الاشرار في الافلام القديمة ذو اللون الابيض و الاسود كانوا أشرس منهم ، الفيلم عامة نجح في اقناعنا بالعديد من الاشياء و ناقش قضايا مهمة جدا ، و لكن افتقد لعامل التشويق -و إن وجد- فهو لم يوجد بكثرة ، و ترقبوا هالي ستينفيلد بعد عدة سنوات ضمن افضل الممثلات في العالم إن لم تكن أفضلهم.

________________________________________

تم نشر هذا المقال في جريدة الراي عن فيلم 3 Days to kill بتاريخ 2014/3/17.
لمشاهدة المقال أضغط هنا.



إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

الاثنين، 29 سبتمبر 2014

وافدين خارج بلادهم.. مغتربين داخلها


أخاف أن أقول أنها مشكلة فأكون متهاونا في الأمر.. ففي الحقيقة هي مسخرة !..

بعد سنوات من العناء و الشقاء و الغربة خارج وطنهم العزيز "مصر" لمحاولة أهاليهم في تحسين الدخل أو إيجاد الدخل أصلاً.. يعود الطلاب القادمين من الخارج بعد إنهاء الثانوية العامة حاملين البهجة في قلوبهم فرحين بعودتهم لوطنهم، فلا تقصر مصر أو حكومتها في إزالة تلك السعادة محولة إياها لتعاسة تدوم لعدة أشهر..

دائماً يكون قلق المصريين بعد إنتهاء الثانوية العامة هو ما سيظهر ﻷبنائهم في نتيجة التنسيق أما ما يقلق بل يرعب المصريين القادمين من الخارج هو إحتمالية ظهور النتيجة من عدمها.. ففي هذا العام أعلنت وزارة التعليم بدايةً عن نتيجة التنسيق الخاصة بطلاب الثانوية العامة في مصر و الذي يبلغ عددهم حوالي 300 مائة ألف طالب كما أعلنت عن تقليل الاغتراب و الاستنفاذ الخاص بالثلاث مراحل في أقل من ثلاثة أسابيع، ثم تم الإعلان عن نتائج التنسيق الخاصة بالسوريين، و الذين يحصلون على امتيازات عديدة بداية من دخولهم كليات القمة بأبخس الدرجات مقارنة بالباقين حتى إنشاء مواقع محترمة خاصة بنتائجهم، و بعدها أعلنت عن نتائج الدبلومة الأمريكية و التي كانت أثير حولها جدل بسبب حالات التزوير الكثيرة في شهاداتها مما أخر ظهور نتيجة التنسيق للقادمين من الخارج...

كل هذا لا يشكل مشكلة.. فالطلاب المصريين في الثانوية المصرية هم الأولى بالتأكيد بعرض نتائج التنسيق الخاص بهم، و الاخوة السوريين أيضاً على العين و الراس كان الله معهم، و الدبلومة الأمريكية طالما تم التأكد من تصحيح شهاداتهم فلهم كل الحق في إظهار نتائجهم و الفرحة بها.. أما المشكلة تكمن في أن الوزارة بعد كل ذلك تتبع نظام "الأنتخة" و هي "أنتخة" طويلة المدة غير مكترثة بأنها لم تنتهي و أن هنالك أكثر من حوالي 12 ألف طالب قادمين من الخارج يودون هم أيضاً مثل كل البشر أن يفرحوا بنتائجهم، أو إن كانت الوزارة تستكثر عليهم الفرحة فلا يجب أن تتجاهل على الأقل أنهم يدخلون الجامعات متأخراً ما يسبب حالات سقوط عديدة لهم في الترم الأول في الدراسة غير مشكلتهم في حجز السكن جامعي الذي لا يستطيعون الحجز فيه أو استغلال الجامعات الخاصة لهم و لمشكلتهم واضعين أبهظ الأسعار التي لا يقدر أغلبهم عليها و يستمر التعنت و التجاهل من كل الجهات للطلبة المصريين القادمين من الخارج..

نحن اليوم بصدد أزمة استمرت لعشرات السنوات و تأتي اليوم لتتوحش و تتمادى على المتضررين منها.. عاشوا خارج وطنهم تحت اسم (وافدين) غير متمتعين بكل امتيازات الإنسان العادي البسيط جداً راضين بذلك آملين في العيش فقط.. ليعودوا واجدين أنفسهم تحت لقب (مغتربين) في وطنهم بنفس المعاناة بل بمأساة أضخم !.. لذلك أرجو من الحكومة أن يستمعوا لمن لا صوت له و أنها "ماتطنشهمش" كعادتها و أن تعتبرهم بشر مصريين لهم حقوق كما عليهم واجبات ولا تعطهم وعود كاذبة تؤجل إلى الما لا نهاية، فالقهر كل القهر أن تكون شفاف في وطنك حتى يأتي دور الواجبات فقط.. و طلبي الوحيد من مصر أن تنتمي إليهم مثل ما انتموا إليها.

و أخيراً يمكنكم مشاهدة ما كتبوه على هاشتاج #شهادة_معادلة على فيس بوك و تويتر و سيكون أبلغ بكثير مما قلت عن جرحهم فصاحب الألم هو الأبرع في التعبير عنه و هذا الجرح و إن ظهر تافها للبعض فهو عميق الألم و الأسى، هو بداية كتابة مستقبلهم الذي اختارت الوزارة وضع نهايته بسبب الاستهتار.

‏شاهد "وقفة احتجاجية لتأخر نتيجة تنسيق الشهادات المعادلة" على YouTube - وقفة احتجاجية لتأخر نتيجة تنسيق الشهادات المعادلة في عام 2013 من  هنا

_________________________________________________

تم نشر هذا المقال في جريدة صفحة جديدة بتاريخ 30 سبتمبر 2014. لمشاهدة المقال أضغ هنا أو هنا.


من وقفة الطلبة المصريين القادمين من الخارج في عام 2013

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M

الاثنين، 7 يوليو 2014

في رثاء غسان كنفاني




"يموت الابطال دون أن يسمع بهم أحد" - غسان كنفاني

لم أرد قط أن آخذ شخصا ما بعينه قدوة أو مصدر إلهام مثلما يغعل الكثير من الناس. كنت دوماً أريد أن أكون نفسي و ألا أتأثر بشخص حتى لا أشابهه فأصبح مجرد تكرار فارغ، بعدها عندما قرأت له علمت أن تأثري بشخص ما لا يقل من شخصي بل يزيدني و يطورني حتى أنني قد أصبح أفضل منه. دائماً هنالك أشخاص استثنائيين. هذا ما وجدت.

 اليوم الثامن من تموز يوافق الذكرى الثانية و الأربعون لاستشهاد "البطل" أو بطلي المفضل على الأقل غسان كنفاني. لا أعرف من أين أبدأ خاصةً بعد أن سادت العتمة حياتنا.. كقارئ أنا حزين.. و ككاتب أنا مقهور.. في أول مرة قرأت لغسان كنفاني كان -و لحسن حظي- كتاب (رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان) و حينها تعجبت بحق. طوال عمري لم أجد في شخصيات الكتاب الذين قرأت لهم شخصية مثل غسان. فحوالي النصف ينادون بالثورة و الغضب يملأهم لدرجة فاقت كراهية العدو و هي كراهية الأهل و الوطن و الحياة أحياناً، و البعض الآخر كتاب رومانسيين يتكلمون عن دنيا غير الدنيا ولا كأن هنالك وطن يحتل أو حرب تشتعل.. أما غسان هو العاشق الثائر، الذي لم يجعل ثورته الغاضبة ضد العدو تغطي على أحاسيسه و لم يترك أحاسيسه تنسيه القضية التي عاش و مات من أجلها. كقارئ أنا حزين لأنني كنت أتمنى أن يعطي الله غسان عمراً أكبر، أولاً لتزداد حصيلة كتاباته التي لم أشبع منها يوماً ولم أمل أبداً من تكرار قراءتها.. ككاتب أنا مقهور لعدة أسباب و أولها أنني أفتقد معلمي. نعم، أعتقد أن غسان هو من علمني الكتابة أو بالأحرى هو من علمني كيف أجعل لكتاباتي روحاً. قرأت (عائد إلى حيفا) فعرفت معنى الوطنية الذي أفتقدناه في زمننا الرديء، رأيت معنى الإنسانية الحقيقي الذي لم أره يوماً، كان غسان في هذه الرواية يرى خيط النور في الظلام الدامس، جعلني أنفعل معه لدرجة أنني عندما أنتهيت منها شعرت أنني منهك و مرهق بسبب اندماجي الشديد مع أبطال الرواية حيث شعرت حينها أنني واحد منهم. آه و ألف آه كم تمنيت أن أكون أنا من كتب هذه الرواية.. قرأت له (الشيء الآخر) فدخلت مدرسته الرائعة في القصة ولولا علمي بأنه لم يشتغل محامياً أبداً لظننت -من كثرة الواقعية و الإتقان- إنها قصة حياته.. و قرأت له الكثير من الروايات و القصص لكن تلك الروايتان كانا الأقرب إلى قلبي لسبب مجهول. أما أكثر ما يؤلمني ككاتب هو النسيان..... أعتقد أن كل هذه الكلمات لن توفي غسان حقه. غسان أكبر بكثير من أن أصفه أو أن أتكلم عنه أو أن أقيمه فحاشا لله أن أقيم أستاذي. من النادر أن تجد في الحياة رجال رائعون. أتصور أن أقصى ما يمكن أن تجده هو أنصاف الرائعين و المدعين بذلك. لأن الرائعون أنتهوا مع رحيل الشهيد غسان. فكيف تجد شيء له صلة بذلك و أمة نائمة مثل أمتنا لا تتذكر ذكرى استشهاد بطل مثل غسان و يسكنها النسيان الذي جعلها تنسى كل شيء فأصبح العدو صديق و الصديق عدو. من الجانب الإيجابي أرى أنه من الجيد أن غسان لم يحضرنا في تلك الحالة البائسة و لم ير وطنه و هو يسحق كل يوم أكثر من ذي قبله. و حتى و إن شعر بداخله بشيء خطأ فسيكون أفضل بمراحل من أن يشاهد الحال على أرض الواقع، فغسان أيضاً لا يموت إلا من الداخل. أخيراً،  معلمي الغريب. الآت بسلام و راحل دون كلام. العاشق الثائر. صديقي و ونيس وحدتي. أخي الكبير و بطلي الوحيد. من عاش بلياقة و سبب إزعاجا كثيراً. نم في سلام يا صديقي فأنت في داخلنا. ولا تشغل بالك بنا ﻷننا لا نستحق. أراك في النهاية حيث أتفقنا أن نجلس مع بعضنا و نتكلم كثيراً ولا يوقفنا إلا النوم. فأستيقظ أرجوك.

إيهاب ممدوح
@Ehab_M_M